
شهد التعاون التكنولوجي بين مصر واليابان تطورًا ملحوظًا خلال العقدين الماضيين، ليشكل نموذجًا ناجحًا للتكامل بين بلدين يمتلكان رؤى متقاربة نحو التحول الرقمي، وبناء مجتمع معرفي مستدام، وقد أسهمت هذه الشراكة في تعزيز القدرات الرقمية لمصر، ودعم الابتكار، وتوطين التكنولوجيا، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والتعليم الإلكتروني، والطاقة الذكية..وتزامناً مع الزيارة التي قام بها الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مؤخراً؛ تنشر “آى سى تى-مصر” هذا التقرير حول “ملامح التعاون التكنولوجي بين مصر واليابان خلال 20 عاماً”.
بداية الشراكة: دعم ياباني لتطوير البنية التحتية
بدأت ملامح التعاون التكنولوجي بين القاهرة وطوكيو في مطلع الألفية الجديدة، حيث قدمت الحكومة اليابانية، من خلال الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA)، دعمًا فنيًا وماديًا لعدد من المشروعات الحيوية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مصر.
شمل هذا الدعم تطوير البنية التحتية الرقمية، وتحديث أنظمة الاتصالات، وتقديم برامج تدريبية لتأهيل الكوادر المصرية في مجالات الحوسبة، الشبكات، والأمن السيبراني، وقد استفاد الآلاف من المهندسين والفنيين المصريين من المنح والبعثات الدراسية إلى الجامعات والمؤسسات التكنولوجية اليابانية.
التحول الرقمي والتعليم الذكي
مع انطلاق استراتيجية “مصر الرقمية”، تعزز التعاون بين البلدين في مجالات التعليم الإلكتروني وبناء القدرات البشرية، وكان لمبادرات مثل “الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا” (E-JUST) دور بارز في هذا السياق، حيث أُسست كمؤسسة تعليمية وبحثية تعكس فلسفة التعليم اليابانية في التفكير الابتكاري والبحث العلمي التطبيقي.
وفرت الجامعة، منذ تأسيسها في عام 2010، برامج دراسات عليا متميزة في الهندسة وتكنولوجيا المعلومات، وأسهمت في تخريج دفعات مؤهلة للعمل في قطاعات التقنية المتقدمة، مما ساهم في ربط البحث العلمي باحتياجات السوق المحلي.
الذكاء الاصطناعي والروبوتات: مجالات تعاون مستقبلية
شهدت السنوات الأخيرة دفعة قوية في التعاون بمجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات، إذ وقّع الجانبان عددًا من مذكرات التفاهم لتبادل الخبرات في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات الزراعة الذكية، المدن الذكية، والرعاية الصحية..كما نظمت وزارة الاتصالات المصرية، بالتعاون مع شركاء يابانيين، برامج متقدمة لتدريب الشباب على تقنيات تحليل البيانات الضخمة، وتعلم الآلة، مما يعزز من تنافسية الكوادر المصرية في السوق الإقليمي والعالمي.
الشركات اليابانية واستثمارات التكنولوجيا في مصر
لعبت الشركات اليابانية دورًا مهمًا في الاستثمار بقطاع الاتصالات المصري، حيث ساهمت علامات مثل “NEC” و”Fujitsu” و”Panasonic” في تنفيذ مشاريع متعلقة بالبنية التحتية، أنظمة المراقبة الذكية، وحلول المدن الآمنة.
وقد توسع وجود هذه الشركات في مصر بفضل المناخ الاستثماري المستقر، والتوجه الحكومي نحو التحول الرقمي، بالإضافة إلى وجود قاعدة بشرية مؤهلة. وساهمت اتفاقيات التعاون في تقديم حلول ذكية لقطاع النقل، مثل مشروع تطوير إشارات السكك الحديدية باستخدام تكنولوجيا يابانية.
الاستدامة والبيئة الرقمية
ركز التعاون المصري الياباني أيضًا على التكنولوجيا الصديقة للبيئة، حيث تم تنفيذ مشروعات مشتركة في مجالات الطاقة المتجددة وإدارة النفايات الإلكترونية. كما دعمت اليابان تطوير نظم إلكترونية لمراقبة جودة الهواء والمياه في مصر، في إطار التزام البلدين بأهداف التنمية المستدامة 2030.
تطلعات مستقبلية
في ظل مشاركة مصر المتكررة في فعاليات مثل مؤتمر “سوشي تك” بطوكيو، تتجه العلاقات التكنولوجية بين البلدين إلى آفاق أوسع، تشمل دعم الشركات الناشئة، وتبادل الخبرات في صناعة أشباه الموصلات، وتطوير أنظمة الحوكمة الرقمية.
ويؤكد الخبراء أن التعاون التكنولوجي بين مصر واليابان خلال العشرين عامًا الماضية لم يقتصر على نقل التكنولوجيا فقط، بل شمل بناء القدرات، وتوطين المعرفة، وتعزيز الابتكار، مما يؤهل هذه الشراكة لتكون نموذجًا يُحتذى في التعاون الدولي من أجل التنمية الرقمية.