د. محمد ماهر يكتب: “الخطر الأكبر”
قال الدكتور محمد ماهر، أخصائى الفم والاسنان ومدير مركز ميما لعلاجات الفم والأسنان: “لا أعتقد أنه يوجد شعب آخر غير الشعب العربي لديه نفس القدرات على العبث بالوقت والصحة والمال وتضييعها على المتع التافهة”.
وأضاف: “الأمثلة على المتع التافهة والضارة أيضاً كثيرة، وليس لها علاقة سلبية أو إيجابية بالأخلاق الحميدة، هي فقط ممارسات لا تضيف شيئاً مفيداً للعقل ولا للمهارات ولا لصحة النفس والبدن”.
وأوضح د. ماهر أن مقالاً للدكتور جاسر الحربش، الطبيب الإستشاري، نشر فى يناير 2000 تحت عنوان ظاهرة “السهر للفجر الخطر الأكبر”، ذكر أن الأخطار التى تهدد أغلب الدول العربية تأتى من كل اتجاه، وخص السهر الطويل لربات البيوت حتى ساعات الفجر، ثم الاستيقاظ مع صلاة الظهر، على أساس أنها واحدة من أهم الممارسات الشائعة للعبث بالوقت والصحة والمال.
وأشار المقال إلى أنه من بين كل عشر مراجعات للعيادات الطبية تشتكي سبع أو ثماني سيدات من عسر الهضم وحرقة المعدة وانتفاخ البطن والإجهاد السريع وضيق التنفس، وعندما تسأل إحداهن عن برنامج حياتها اليومي تكتشف أنها تسهر حتى ساعات الفجر أمام التلفزيون، ثم تنام حتى الظهر، لتستيقظ بمزاج البائس التعيس الذي لم يرَ نور الصباح ولم يستنشق هواء نقياً منذ أعوام طويلة.
وبالفحص الطبي يتضح عند هذا النوع من ربات البيوت مجموعة من الأمراض الناتجة عن العبث بالوقت والحياة، منها: إرتخاء عضلة المريء مما يسبب الارتجاع الحمضي، إمتلاء الأمعاء بالغازات فتصبح طبلاً مليئاً بالغازات المتخمّرة من وجبة العشاء المتأخرة، وتصبح الكبد غارقة في الدهون، فقر الدم بالرغم من السمنة الظاهرة، ضمور عضلات الأطراف رغم ضخامة الجذع والبطن، هزلان طاقة التنفس، وهشاشة العظام بسبب نقص فيتامين د وعنصر الكالسيوم، لانقطاع التعرُّض لأشعة شمس الصباح.
وما هي إلا سنوات قليلة ثم يداهم مثل هذه السيدة مرض السكري والكوليسترول وحصوات المرارة وارتفاع ضغط الدم، ثم تتحوّل إلى عالة على منزلها ومصدر نزيف مالي مستمر على الأدوية والاستشارات الطبية.
على النقيض من هذه الكتلة العليلة من الشحوم تكون العاملة الآسيوية التي لا يزيد وزنها على خمسين كيلوغراماً، قادرة على العمل لمدة اثنتي عشرة ساعة متواصلة دون آلام عضلية ولا لهاث في التنفس ولا انتفاخ في الأمعاء، تضع رأسها على المخدة قبل منتصف الليل فتستمتع بنوم عميق مريح ثم تصحو في السادسة صباحاً مع الطيور.
وإستكمل المقال: “ربة البيت تنازلت عن استثمار وقتها فيما يفيد، وأهملت الشروط الضرورية لاكتمال الصحة، وتعللت بخدعة نقص فيتامين د المزعوم، بل ودفعت المال للعاملة لتنوب عنها في إدارة المنزل، وضحّت بكل ذلك مقابل السهر ساعات إضافية على مسلسلات وبرامج تافهة في الفضائيات”.
وأشار المقال إلى أن هذا النموذج من ربات المنازل لا يتواجد فقط في الطبقات الغنية المرفّهة، بل تجده في أغلب البيوت حتى في أبعد قرية عن العمران.
كما إن الشبان والشابات من طلبة المدارس والجامعات، مصابون أيضاً بداء السهر وبنفس العلل الصحية المترتبة عليه، لأنهم يسهرون حتى بعد منتصف الليل على أجهزة الدردشة وبرامج التلفزيون.
الرجال في مثل هذه البيوت لديهم نفس الاعتلالات والأمراض؛ لأنهم يدمنون السهر في المقاهي وملاحق المنازل، ويتناولون وجبات عشاء دسمة بعد منتصف الليل من أقرب مطعم فيصبح الحال من بعضه.
قبل عدة سنوات كان الناس عندنا ينامون بعد صلاة العشاء بساعتين على الأكثر، وينهضون مع بواكير الفجر الأولى مكتملي الحيوية والنشاط، ومع طلوع الشمس ينصرف كل طرف إلى مهماته اليومية.
آنذاك كانت معدّلات الإصابة بالسكري وضيق الشرايين وتصلُّب المفاصل والاعتلالات الهضمية تكاد تكون صفراً .
وشدد المقال: “مجتمعنا الحالي مصاب بكل أمراض التسيب والتساهل مع الوقت وشروط الحياة الطبيعية”.
وأختتم: “نحن في أمسّ الحاجة إلى إعادة تأهيل وبرامج توعية، تعيدنا إلى الالتزام بقواعد التعامل مع الزمن وشروط الجودة النوعية للحياة، ولولا الخشية من فساد الأطعمة في ثلاجات ومخازن التبريد، لاقترحت قطع الكهرباء عن المنازل والاستراحات قبل منتصف الليل، باستثناء يومي نهاية الأسبوع”.