أخباراتصالاتالأرشيفتقارير
أخر الأخبار

الأجداد يبتسمون فى السماء..ملحمة تكنولوجية مصرية في افتتاح المتحف المصري الكبير

في ليلة استثنائية عند أهرامات الجيزة، لم تكن الأضواء تسلط فقط على كنوز الفراعنة، ولكنها أضاءت أيضًا على إنجاز تكنولوجي مصري خالص، لم يكن حفل افتتاح المتحف المصري الكبير مجرد احتفال بمرور حضارة عابرة للزمن، بل كان إعلانًا صارخًا عن قوة العملاق التكنولوجي المصري، القادر على دمج تراب الماضي مع ذرات الضوء الرقمية، ليحكي للعالم قصة أجداده بأحدث لغات العصر.

قبل أيام من الحفل، تحولت المنطقة المحيطة بالمتحف إلى ورشة عمل دؤوبة، لم تكن الاستعدادات تقتصر على الزينة والمقاعد، بل امتدت إلى بناء هيكل اتصالي ضخم وغير مرئي تحالف فى بنائه القطاعين العام والخاص، وشكلت شركات الاتصالات المصرية (المملوكة للدولة والخاصة) تحالفًا غير مسبوق، تحت مظلة وتنسيق الجهات الحكومية المعنية مثل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والهيئة الوطنية للإعلام، وكان الهدف واضحًا: تحقيق تغطية اتصال وإنترنت “لا تشوبها شائبة” تحت وطأة وجود آلاف الضيوف والصحفيين، وملايين المشاهدين عبر الإنترنت.

تم نشر وحدات خلوية متطورة ومحمولة (Cell on Wheels) تعمل بتقنية الجيل الخامس فائقة السرعة ، مدعومة بكابلات ألياف بصرية، لضمان نقل البيانات بسرعات خيالية، ولم يكن الهدف مجرد اتصال، بل كان نقل تجربة “الواقع المعزز” الحي والبودكاست عالي الدقة دون أي تأخير، كما تم تصميم الشبكة لتحمل أحمالاً تفوق التوقعات، مع وجود خطط بديلة فورية لأي طارئ، مما ضمن بثًا مستقرًا ساهم في نجاح التغطية الإعلامية العالمية للحدث.

في هذا الصدد، يعلق الدكتور أحمد عبد العال، خبير البنية التحتية للاتصالات: “ما حدث في الافتتاح هو اختبار حقيقي لقدرة البنية التحتية الرقمية المصرية تحت الضغط، ونجاح هذا الاختبار يضع مصر على خريطة الدول التي تمتلك شبكات اتصال من الطراز العالمي، القادرة على استضافة أكبر الأحداث العالمية، وهذا الإنجاز هو ثمرة استثمارات استراتيجية في قطاع الاتصالات على مدى السنوات الماضية”.

إذا كانت الشبكات هي العصب، فإن المؤثرات البصرية كانت الروح التي جسدت الحلم، كانت اللحظة الأكثر إثارة والتي تردد صداها عبر العالم هي عرض “الأجداد” في السماء، عن طريق تقنية الإسقاط الضوئي الهولوجرافي المتقدمة؛ فباستخدام أحدث تقنيات الإسقاط الضوئي (3D Projection Mapping) وشبه الهولوجرام، تم تحويل واجهة المتحف والفضاء المحيط به إلى شاشة سينمائية عملاقة، ولم تكن الصور المسقطة مجرد عروض ضوئية تقليدية، بل كانت شخصيات فرعونية – رمسيس الثاني و توت عنخ آمون – تتحرك وتنظر إلى الحضور وكأنها تعبر من قلب التاريخ.

كما تم الدمج بين الواقع والخيال؛ وتم تصميم هذه المؤثرات بتقنيات محلية بالتعاون مع شركات عالمية، حيث عمل مبرمجون ومصممون مصريون على تطوير المحتوى البصري الذي يليق بعظمة المكان، واستخدمت خوارزميات معقدة لمطابقة الصور مع هندسة المبنى بشكل دقيق، مما خلق وهمًا ثلاثي الأبعاد مذهلاً، ولم تكن المؤثرات عشوائية، بل كانت جزءًا من سردية درامية تحكي قصة الحضارة المصرية من العصور القديمة إلى حاضرها التكنولوجي، مما أعطى العمق العاطفي والفني للحفل.

تقول الدكتورة منى الشاذلي، أستاذة تصميم الوسائط المتعددة: “العرض البصري في الافتتاح لم يكن مؤثرًا فقط، بل كان ‘خطابًا بصريًا’، استخدم لغة العصر -التكنولوجيا – لتوصيل رسالة أبدية عن العظمة، مما يثبت أن التكنولوجيا ليست مجرد أدوات، بل هي فرشاة الفنان المعاصر، والجميل أن العقل المصري كان شريكًا أساسيًا في هذا الإبداع، مما يعزز مكانتنا في صناعة المحتوى الإبداعي الرقمي عالميًا”.

وضع هذا الحدث معيارًا جديدًا للتجارب السياحية في مصر، فلن تكون زيارة المتاحف مجرد مشاهدة آثار ثابتة، بل ستتحول إلى رحلات غامرة باستخدام الواقع المعزز والافتراضي، مما يزيد من الجاذبية السياحية، وأظهرت الشركات المصرية العاملة في مجال المؤثرات البصرية والبرمجيات قدرة تنافسية عالية، مما يفتح أبواب التصدير للخدمات الإبداعية الرقمية، كما ساهم الحدث فى تعزيز الصورة الذهنية لمصر، كدولة لا تعيش على أمجاد الماضي فحسب، بل تبتكر مستقبلها بتقنيات حديثة، وهي صورة قوية تجذب الاستثمارات وتغير المفاهيم.

كان حفل افتتاح المتحف المصري الكبير أكثر من مجرد احتفال بافتتاح صرح ثقافي ضخم، لقد كان إعلانًا عن نضوج المنظومة التكنولوجية المصرية، الحكومية والخاصة، وقدرتها على تنفيذ مشاريع طموحة على المستوى العالمي، لقد نجحت التكنولوجيا المصرية في تلك الليلة في مهمتها الأسمى: لم تكن فقط جسرًا للاتصال، بل كانت آلة زمن أذهلت العالم، وجعلت أجدادنا العظام يبتسمون في السماء، فخورين بأحفادهم الذين لم ينسوا الماضي، لكنهم يسيرون بثبات نحو المستقبل.

error: Content is protected !!