أخبارمقالات

دماغيات خالد ابو المجد: ماذا لنا غير الخضوع

الاستماع للخبر

جرى العرف أن يكون الأسود هو اللون السائد والأساسى فى هذه المواقف، وأن تصحبه الدموع المنهمرة من العيون المحتقنة على سيمفونية النواح والنحيب المتصلة، إلا أن الوضع هذه المرة كان مختلفا تماما، ومغايرا لما جرت عليه العادات والأعراف.
من الصباح الباكر، إصطف أهل القرية كلهم عن بكرة أبيهم، شيوخها وأطفالها، نسائها ورجالها، مسلميها ومسيحيها، أغنيائها وفقرائها، فى مشهد مهيب تكرر حدوثه مؤخراً، إلا أن الأمر هذه المرة كان مختلفا تماما حيث إتفق الجميع على إرتداء اللون الأبيض.
على أطراف القرية، من بعيد ظهرت أطياف القافلة التى تحمل فى طياتها أسوأ خبر يمكن أن يتلقاه أب عن إبنه قرة عينه، أو أن تتلقاه أم عن فلذة كبدها.
على أطراف القرية يحمل الركب جسد تطهر من شوائب الحياة، يلفه علم الوطن الذى بذل فى سبيله أغلى ما يملكه ..روحا طاهرة.
ما أن لاح علم مصر أمام الناظرين، وظهرت الخطوات العسكرية الثقيلة والرتيبة تحمل جثمان من حمل هم أمن الوطن طيلة حياته، ما أن ظهر الركب حتى إنطلقت الزغاريد حتى يظن الراءى أنها “زفة عرس”.
هؤلاء “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”، منهم “قضى نحبه”، وغيرهم “ينتظر”، هؤلاء “لاخوف عليهم”، وهؤلاء “لا يحزنون”، وهؤلاء”أحياء عند ربهم”.
أحدهم أسر لى بكلمات الشهيد الأخيرة فى رسالة لأمه، إلا أن القدر لم يمهله أن يرسلها ..حفظتها عن ظهر قلب، وقررت أن أسطرها عسى أن تكون دستوراً لأجيال قادمة:

أماه لا تقفى على التابوت ترتجفين من هول المصيبة
فلتقرأى أم الكتاب وتنثرى فوق الجلائد عطر طيبة
ولتذكرى إبناً دعاه الموت فى زهو الأمانى الخصيبة
لا تبكى يا أماه فالأموات ينتعشون فى الأخرى الرحيبة
أماه قد أوصيتك بأب توكأ فى المشيب على عصاه
وسليه ألا يسكب العبرات رفقاً بالمشيب على فتاه
وترفقى بحبيبتى بوديعتى بالأقحوان على رباه
بل وأعلميها أننى شوقاً إليها قسماً أتوق إلى الحياة
وأننى قد صغت كل رسائلى قبلاً تذوب على الشفاه
أماه لم يزل الحنين يهتك الأكفان يصرخ في الضلوع
وتشدنى نحو الحياة مدامع الأب الممزق فى الربوع
لكن إذا كان الإله مقدراً .. ماذا لنا غير الخضوع