أخبارالأرشيفمقالات

دماغيات أبو المجد: “الراجل ده محترم”..!!

الاستماع للخبر

“الراجل ده محترم”..جملة كثيراً ما نبدأ بها حديثنا عند الرغبة فى تمييز شخص للتعامل معه، أو نستخدمها كميزة إضافية لهذه الشخصية التى نحن بصددها.

كنت كالغالبية أعتقد أن إطلاق كلمة “محترم” على شخص كافية للإرتقاء به فوق أقرانه، وترجيح كفته كأنه يمتلك خاصية نادرة، حتى ساقنى حظى أن أتلفظ بذات الجملة -“الراجل ده محترم”- أما صديقى المثقف الرسين مصطفى؛ والذى يعمل كمدير لإدارة الإعلام بإحدى الهيئات الحكومية..مصطفي بادرنى بالإستفسار الذى لم أتوقعه أبداً: يعنى إيه محترم؟

ولم ينتظر منى الإجابة، بل سارع وقال لى: “نفس الموقف حدث معى أما أحد الوزراء السابقين، وقلت له “فلان محترم”، فنظر لى الوزير متسائلاً ماذا يعنى محترم، الإحترام صفة لابد من أن تولد وتوجود فى الإنسان ليكون إنساناً، كأن يكون قادراً على الكلام أو السمع أو المشى مثلاً، لا يصلح أن يكون إنساناً من لم يكن محترماً، الإحترام ليس منة أو صفة للمفاضلة، عدم توفر صفة الإحترام فى الشخص تعنى كونه ليس آدمياً ولا يصلح التعامل معه من الأساس”..وأكمل مصطفى حواره مع الوزير: “الاحترام ليست قيمة إضافية للشخص، بل أساس لابد من توافره ليبنى عليه صفات أخرى”.

بالإنصات والتفكير فى حديث صديقى وجدت بالفعل أت كل حرف قاله صحيح مليون بالمائة، لماذا أصبح الإحترام فى زماننا هذا من النوادر، وأصبح وجود بقاياه لدى شخص ما يعد من المعجزات، على الرغم من أنه فى الحقيقة من أساسيات بدايات التعامل.

الإحترام لا يمكن حصره فى تصرف بذاته، الإحترام له ملايين الصور، ويظهر فى المواقف، فبالأمس القريب خلا المقعد الذى بجوارى فى مترو الأنفاق أثناء عودتى للمنزل، وإذا بفتاة لم تتجاوز الحادية أو الثانية عشرة من عمرها تنطلق مثل الصاروخ لتقتنص الفرصة وتجلس هى بسرعة على المقعد الخالى، فى الوقت الذى كان يستعد عجوز ستينى للتوجه للجلوس، ولم تبالى الفتاة من نظرات الاستنكار والغضب التى إنهالت عليها من كافة الركاب، فأردت أن ألقنها درساً غير مباشر؛ ووقفت لأخلى مقعدى للرجل الذى كان ينظر إليها فى ذهول غير مصدق أو مستوعب للموقف..وكانت المفاجأة..الفتاة أزاحت نفسها تجاه مقعدى الخالى لتفسح مكاناً لصديقتها لتجلس بجوارها..شيئ إن نم فإنما يظهر إنعدام للتربية والقيم والإحترام والمبادئ.

فى هذه اللحظة بدأ درس التربية المباشر لها من كافة الركاب؛ خاصة السيدات، وأنهالت عليها جمل السباب لها وللسادة الوالدين -المحترمين- الذين أنتجت تربيتهم المنقوصة هذا النوع من الفتيات، ولكن هل ياترى أفادت هذه اللعنات فى تعليم هذه الفتاة جزءاً من الإحترام.

الإحترام ياسادة أساس لكون الكائن الحي إنساناً، الإحترام صفة لا بد أن نحرص على وجودها فى أولادنا منذ نعومة أظافرهم، فليس من المفترض أن نقابل أو نتعامل مع (ناس مش محترمة)..وصدق الإمام الشافعي رضى الله عنه عندما قال:

نَعيبُ زَمانَنا وَالعَيبُ فينا   وَما لِزَمانِنا عَيبٌ سِوانا

وَنَهجو ذا الزَمانِ بِغَيرِ ذَنبٍ   وَلَو نَطَقَ الزَمانُ لَنا هَجانا